.::::: أخبار :::::.

بيان صادر عن مجلس الإفتاء الأعلى بمناسبة حلول شهر رمضان الكريم لعام 1446 هـ - 2025م

تاريخ النشر 2025-03-04

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، وبعد؛
فبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك يطيب لمجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين أن يتقدم من الشعب الفلسطيني كافة، ومن الأمتين الإسلامية والعربية والمسلمين في كل مكان، بأحر التهاني والتبريكات، بأن أكرمهم الله تعالى أن يشهدوا شهر رمضان المبارك، الذي هو خير شهور العام، ففيه نزل القرآن الكريم، والله تعالى يقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ....}(البقرة: 185)، وفيه فرض الصيام، بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة: 183)، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ القَدْرِ* لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِـيَ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ}(سورة القدر)، وفيه يعتق الله عز وجل المؤمنين من النار، لقوله صلى الله عليه وسلم:« مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَـوْمِ وَجْـهَـهُ عَـنْ النَّارِ سَبْعِيـنَ خَـرِيـفًا» (صحيح مسلم، كِتَاب الصِّيَامِ، باب فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه، بلا ضرر ولا تفويت حق) .
كما أن هذا الشهر الكريم هو شهر النصر، وحافل بكوكبة من انتصارات الأمة الإسلامية، التي استهلت بيوم الفرقان، يوم أعز الله عز وجل رسوله، صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين بنصره، الذي منّ به عليهم، فقال سبحانه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُـمْ تَشْكُـرُونَ} (آل عمران: 123)، ثم توالت انتصارات المسلمين في هذا الشهر الكريم، عبر التاريخ.
وإن مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين ليهيب بمسلمي هذه الديار المباركة أن يستقبلوا هذا الشهر الكريم بقلوب تائبة يعمرها الإيمان، والعزم على أداء فريضة الصيام، والحفاظ على الصلوات الخمس وسنة القيام، وأداء زكاة أموالهم وصدقة الفطر، وأن يحافظوا على حرمته في كل مواقعهم، سواء في ذلك، بيوتهم، وشوارعهم، ومؤسساتهم، وأسواقهم، وذلك باجتناب كل ما يتنافى مع حرمته، والتزام ما ينسجم مع روحه وأحكامه، عسى الله أن يتقبلنا جميعاً في عباده الصالحين، وأن يجعلنا من ورثة جنة النعيم، نلجها من باب الريان الذي أعده الله تعالى للصائمين.
وبهذه المناسبة الكريمة، وفي ظل الظروف الصعبة التي يعيشها أبناء شعبنا الصابر، لا سيما في قطاع غزة بفعل حرب الإبادة، فإننا نؤكد على ضرورة التراحم والبذل والعطاء والمواساة، فعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «مَنْ كَانَ مَعَهُ ‌فَضْلُ ‌ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ. وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ»، قَالَ أبو سعيد: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ، حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حق لأحد منا في فضل» [صحيح مسلم، كتاب اللقطة، بَاب اسْتِحْبَابِ الْمُؤَاسَاةِ بِفُضُولِ الْمَالِ].
ونناشد تجارنا الكرام أن يبتعدوا عن الجشع واحتكار السلع ورفع الأسعار، وبيع منتوجات المستوطنات، والسلع الفاسدة؛ ليحشروا بإذن الله تعالى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
ونهيب بالمواطنين الكرام أن يشدوا رحالهم في هذا الشهر الفضيل إلى مدينة القدس، ومسجدها الأقصى المبارك، الذي هو بأمس الحاجة إلى ذلك في ظل ما يتعرض له من حملة شرسة تستهدف وجوده وقدسيته ووحدته، بالتدنيس والعدوان.

أبناء شعبنا المرابط:
نناشدكم العمل على تمتين وحدة صفنا، وإفشاء الصلح بين أبناء شعبنا، والبعد عن أسباب التناحر والنزاع، فالصلح له شأن عظيم في ديننا الحنيف، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال: 1)، فهو يفوق درجة نافلة الصيام والصلاة والصدقة، فعن أبي الدرداء، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: « ‏أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: صَلَاحُ ‏ذَاتِ الْبَيْنِ، ‏فَإِنَّ فَسَادَ ‏ذَاتِ الْبَيْنِ ‏هِيَ الْحَالِقَةُ » [‏سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، باب منه، وصححه الألباني].
فلنضع غاية وحدة شعبنا، وتقوية صفه نصب أعيننا، ونحن نصوم ونصلي، ونتلو القرآن؛ لأنها من أسمى الغايات، قال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (المؤمنون: 52).
والله نسأل أن يؤلف بين قلوب المؤمنين، وأن يعيننا على صيام هذا الشهر الفضيل، وأن يكتب لنا ثواب صيامه وقيامه، وأن يحقق لأمتنا العزة والنصر والسعادة بمنه وكرمه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




 دار الإفتاء الفلسطينية - القدس